المعلم المتقاعد كنز وعطاء لامحدود بكل المستويات

التاريخ : 2021-01-10 (11:41 AM)   ،   المشاهدات : 488   ،   التعليقات : 0

المعلم المتقاعد كنز وعطاء لامحدود بكل المستويات

وظائف العمل متعددة، وفرص العطاء متنوعة، وحقول الإبداع والجود لا حصر لها، وإن كان حقل التربية والتعليم يتصدر تلك الميادين المختلفة، لما له من سبق في بذر المعرفة وتربية الأجيال وصقل المواهب وتهذيب السلوكات في شتى مراحل حياة الإنسان.

وفي هذا المضمار لابد من الإشارة إلى المكتسبات التي يجب أن يجنيها المجتمع ويفيد منها من توفر أصحاب الخبرات الذين أعطوا على مدار سنوات وما زالوا في ميدان التربية والتعليم، إنهم المعلمون بشكل خاص والتربويون بشكل عام حيث أضحى عامل السن سيفًا مسلطًا على رقاب هذه الفئة من خلال إنهاء خدماتهم بمجرد بلوغهم سن الستين، تلك السن التي تعتبر في معظم البلاد المتقدمة سن الهمة والنشاط والعطاء اللامحدود لما يمتلك فيها الأشخاص من خبرة ودراية وعمل وإبداع بعكس دولنا الشرقية والعربية على وجه الخصوص التي ما إن يصل فيها الإنسان المربي إلى هذه السن حتى تُقتل فيه روح الإبداع وتوأدُ فيه روح العطاء دون أن يُنظر إلى حجم همته ونشاطه وخبرته التي يجب أن يُستفاد منها من خلال استثماره في العديد من البرامج الواجب توفرها من قِبَل المنظومة التربوية لإتاحة الفرصة له لإكمال مسيرته التربوية والتعليمية في تعليم الأجيال اللاحقة وإكسابهم الخبرة في طرق التدريس واستراتيجياته المختلفة، وكذا الأعمال الإدارية وفن التعامل مع الطلاب وطرق التعاطي مع الأعمال التربوية والتعليمية بشكل عام.

وفي هذا السياق كان لصحيفة الخليج هذا التحقيق من خلال عدد من اللقاءات مع نماذج من هذه الفئة المستهدفة الذين تحدثوا مُدلين بآرائهم حول هذه القضية الحيوية التي يعيشها مجتمعنا التربوي.

 

استثمار أمثل

يقول الدكتور صالح الجرمي، الخبير التربوي، ومعلم اللغة العربية - متقاعد، إنه بالنظر إلى هذه المسألة، وبالتمعن في هذه القضية، نجد أن سن الستين للمعلم والتربوي هي المرجع والركيزة والمنهل التي يجب أن تنظر إليها الجهات المسؤولة من خلال الاستثمار الأمثل لها ولقدراتها ولخبراتها دون النظر لمبدأ السن بهذا الشكل المطلق، إذ إن العمر لم يعد هو المقياس أو المعيار لكي يُحكم على الإنسان في مقدار عطائه وإجادته وإبداعه، أو على الأقل ربما يُعمل على أن يُستفاد من هذه الفئة في ميادين تربوية أخرى تستحدثها الجهات التربوية في الدولة بحيث تكون سندًا وذخرًا للأجيال اللاحقة من التربويين أو المدرسين في الميدان، خاصة أنهم يمتلكون الخبرة التي عند أغلبهم ربما تزيد على الثلاثين عاماً.

ويتابع: «أتحدثُ وأنا شخصيًا أشهد هذه الظاهرة التي وُلدت من رحم القانون الذي ينهي خدمة المعلم أو التربوي في سن الستين، وهو في قمة عطائه ونشاطه متسلح بسيل من سنوات خبرته التي أمضاها، مع العلم أنه ربما تنهى خدمات بعضهم في كثير من الأحيان والمؤسسة في أشد الحاجة لهم، لكن القانون يقف حائلاً دون استمرارهم، ما سبب للمؤسسة التربوية افتقادًا للحاجة الماسة لمثل هذا العنصر، إضافة إلى الحالة النفسية التي تلحق بهذا الإنسان الذي يحلم بمزيد من العمل والعطاء والإبداع في مجال عمله التعليمي. ويضيف: أفرزت هذه المسألة الكثير من القضايا الأخرى برزت وتجلت في رفض المدارس الخاصة قبول هذه الفئات رغم حاجتها الماسة لهم ولخبرتهم بعد هذه السنوات الطويلة التي قضوها في المدارس الحكومية، وحجة المدارس الخاصة تكاد تكون مادية بحتة، إذ تأخذ المدارس الخاصة بعين الاعتبار تكلفة عمل التأمين الصحي لهذه الفئات التي أصبحت تزيد على العشرة أو الخمسة عشر ألف درهم، وفي النهاية يبقى هذا الإنسان كنزًا مهملاً دون الاستثمار فيه والإفادة من خبرته، فقانون الستين في المدارس الحكومية من أمامه، وهاجس المدارس الخاصة من التكلفة من خلفه.

وأرى أن يتم إنشاء مؤسسات تربوية واستحداث برامج أعلى مستوى للاستفادة من أصحاب سن الستين خاصة المبدعين والمتميزين وأصحاب الهمة والنشاط منهم، والذين يتمتعون باللياقة الصحية سواء كان ذلك في المدارس الحكومية على سبيل الاستمرارية أو للعمل من خلال تلك البرامج المستحدثة إضافة إلى تكريمهم بعد هذه الخدمة الطويلة بتخفيف عبء التأمين الصحي عن كاهلهم كي يتمكنوا من مواصلة البذل والعطاء.

 

صبر ومجالدة

عُمر الستين كما يقول البعض، هو الإعلان الرسمي للمعلم كي يتنحى جانباً ويغادر مجتمع الطلاب والمدرسة، باعتبار هذا العمر نهاية العطاء العملي وبداية التدهور الصحي.. يقول الدكتور حاتم درويش، مدير أكاديمية ياس الخاصة في أبوظبي: نعم، إن التعليم يحتاج إلى مجاهدة ومجالدة، ويحتاج إلى صبر وسعة صدر، وإلى فكر متفتح واطلاع واسع، وهذه كلها تكون قد اكتملت واختمرت في حقيبة عمر الستين لدى المعلمين بفعل الخبرات المتراكمة، وبفعل برامج التطور المهني التي تبقي الجميع ضمن مركب التحديث والتطوير، ما يكون مدعاة كبيرة إلى المحافظة عليهم والاستعانة بخبراتهم الواسعة، فإن لم يكن في مجال التدريس المباشر فهناك عدة مجالات من استشارات وإشراف وخبرة في المجالات التربوية العديدة، وهذا أولى بالقسم الحكومي من المدارس لما لديها من إمكانيات وتسلسل إداري وأكاديمي متسع، بينما تقل هذه الحظوظ بدرجة كبيرة لدى المدارس الخاصة لما يترتب عليها من التزامات مالية، ليس من جهة الرواتب ولكن من جهة التأمين الصحي والتي قد تتجاوز 30 ألف درهم سنوياً، ما يشكل مانعاً كبيراً لإدارات المدارس الخاصة للاستعانة بهذه الفئة من التربويين والمعلمين بشكل دائم إلا في حالات مؤقتة واستشارات ثمينة مختصرة. ويرى أن هذه الفئة من المعلمين يجبأالمحافظة عليهم وتكريمهم بأن يكونوا رافد تدريب وإشراف واستشارة ضمن المجتمع المدرسي نظير ما بذلوه من تربية لأجيال عدة ونظير ما تراكم لديهم من خبرات مهنية واجتماعية على مر السنين، فهُم تاريخ تعليمي وتربوي حي يعيش بيننا، وكنز ثمين للميدان.

 

هدر الطاقة

ومن ناحية الأثر النفسي والاجتماعي الذي يصيب المتقاعدين وهم في قمة العطاء، وشعورهم بأن صلاحيتهم قد انتهت في الحياة الوظيفية والاجتماعية، يقول الدكتور عادل أحمد كراني، استشاري طب نفسي، مركز إسحاق بن عمران الطبي في الشارقة، ان الكثير منا يعتبر ان التقاعد نهاية الحياه الوظيفية وينتهي معه العطاء ليظن الإنسان المتقاعد انه أنهى عطاءه وعليه الآن الانسحاب من العالم والإنتاجية، والتركيز على الأخذ والراحة.

ربما هذه الفكرة كانت إلى حد ما صحيحة حين كان معدل عمر الإنسان 65 عاماً، أما الآن ومع تطور الخدمات الصحية، فإن معدل عمر الفرد في دولة الإمارات فوق ال80 سنة، أي أن المتقاعد متوقع أن يحيا على الأقل عشرين سنة بعد التقاعد، وللأسف فإن القوانين الخاصة بالتقاعد لم تواكب ذلك، فأصبح هناك هدر كبير في الطاقات وخسارة للخبرات، وبالأخص في التعليم، حيت إن تقاعد المعلمين والمعلمات المتمرسين ذوي الخبرة الكبيرة في التعليم يعتبر هدراً كبيراً لكفاءاتهم، حيث إن بإمكانهم العطاء لسنوات عدة بعد التقاعد، ولكن كيف وأين؟

ويشير إلى أنه ينبغي أولا على المعلمين القريبين من سن التقاعد، عدم إهمال أهمية فترة العطاء ما بعد التقاعد والتجهيز له من تخطيط وتفكير سواء في الالتحاق بمؤسسات أوهيئات أو مراكز تعليمية أخرى كمتعاونين أو هيئات تعليمية خاصه، ومع الاعتماد على التكنولوجيا الرقمية فإن هناك إمكانية لإنشاء قنوات تعليمية شخصية لمساعدة الطلبة والاستمرار في تقديم خدماتهم المهمة لهم، لافتاً إلى أن الكثير من المتقاعدين التربويين حول العالم، وجدوا إنشاء القنوات التعليمية منحنى جديداً للعطاء بعد التقاعد، ولا ننسى أن المتقاعد ذا الخبرة الكبيرة يستطيع دعم المعلمين الجدد في بدايات مسيرتهم المهنية وإعطاءهم الحماية من تكرار الأخطاء وتوجيه حديثي المهنة منهم.

 

مرحلة مختلفة

ويقول الاستشاري الاجتماعي والنفسي إبراهيم عبد الحميد: للضرورة ينبغي على الحكومات إيجاد آليات مناسبة للاستفادة ممن يريد الاستمرار في العطاء سواء بدوام جزئي أو العمل كمتعاون، لإعطاء الدعم لبقية الزملاء أو حتى إضافة منصات لهم يستطيع الطالب الاستفادة منها، مؤكداً أن اعتبار البعض أن التقاعد هو نهاية المسيرة الحياتية الغنية، ربما يتسبب في فقدان الأمل وفي اضطرابات نفسية، وعلى الجميع إعادة تنظيم تفكيرهم بأن التقاعد مرحلة مختلفة جديدة يستمر فيها العطاء لإضفاء معنى للحياة.

 

قمة العطاء

ويؤكد معلمون وتربويون تمت إحالتهم على التقاعد، انهم ما يزالون في قمة العطاء، ويمتلكون القدرة على مواصلة مهمتهم التربوية، والعمل بالهمة والحيوية نفسهما.. يقول احمد محمد الحمادي- معلم متقاعد، انه من الممكن الاستفادة من خبرات المتقاعدين وإشغال فراغهم، خاصة للذين يرون أن لديهم فراغاً وقادرين على العمل والعطاء في الميدان التربوي، ولكن للأسف لا توجد هناك آذان صاغية، فهناك بعض الجهات المعنية تفسر طلب المتقاعد في الاستمرار بالعمل ولو من باب التعاون بانه مطلب مادي، لافتاً إلى أن بعض المسؤولين في قطاع التعليم مع الأسف الشديد، يفكرون ان المتقاعد بطلبه هذا يفكر كيف يربي الجيب قبل أن يربي الجيل، ولا يفكرون بان هناك من المتقاعدين من يمتلكون خبرات ومهارات إيجابية من الممكن استفادة الميدان منها.

وينصح الجهات المعنية بعمل استبانة خاصة بالمتقاعدين لمعرفة خبراتهم وآرائهم وماذا حققوا للميدان التربوي خلال فترة عملهم، مشيراً إلى أن الكثيرين ممن خدموا في سلك التدريس سنوات طويلة قد أفادوا الميدان وخرجوا بخبرات كبيرة ولكن جاء وقت التقاعد للتخلص منهم، وهم في قمة العطاء والتفاني، فيما ترك حقل التدريس معلمون وتربويون دون أن يستفيد الميدان منهم، ولم يكتسبوا شيئاً من الخبرات التربوية والتعليمية خاصة هؤلاء الذين جعلوا من المهنة، نقطة عبور فبمجرد أن حصلوا على عمل في مجال آخر تركوا الميدان التربوي بسهولة وتوجهوا إلى ذلك المجال، فهؤلاء لا يستحقون أي تقدير من التربية، لذلك أدعوا الى الاستفادة من خبرات المتقاعدين التربويين بمنحهم فرصة العودة للعمل في مجال التدريس أو الإشراف التربوي، والاستفادة من طاقاتهم وخبراتهم، باعتبار المتقاعدين أكثر الأشخاص دراية بما يصلح ويجب تحقيقه للميدان، وفق مبدأ أهل مكة أدرى بشعابها.

 

استفادة

وتؤكد مريم الزعابي (تربوية متقاعدة) أنها خدمت في سلك التدريس أكثر من 20 عاماً، أن التقاعد ليس نهاية المطاف أو هو خريف العمر أو الاستسلام لبداية النهاية، فهذا القصور جزء من مفاهيم خاطئة، والمعلم المتقاعد يمكن الاستفادة من خبراته سواء في شركات ومؤسسات تعليمية حكومية أو خاصة، طالما أنه متمتع بالصحة الجسدية والعقلية وقادر على العطاء.

 

وحدة

وتقول المعلمة المتقاعدة سلمى عبد الرحمن محمد، إنها ترغب في العودة إلى سلك التدريس خاصة أنها تشعر بأن لديها القدرة على العمل وان بقاءها في المنزل يؤثر على حالتها النفسية والجسدية، فهي تعيش الوحدة في المنزل منذ ثلاث سنوات بعد أن تزوج أبناؤها وبناتها، متمنية أن تستفيد الجهات المختصة من خبراتها وفي الوقت ذاته هي بحاجة إلى ملء الفراغ، مشيرة إلى أن المادة آخر ما تفكر بها في هذا العمر، متمنية على الجهات المختصة أن تمد سن التقاعد للإناث، والاستفادة من المتقاعدين من أصحاب الكفاءات، فهناك الكثير منهم يرغبون في مواصلة رسالته التربوية تجاه النشء.

 

حاجة

وتعترف عائشة محمد صبيح، معلمة متقاعدة، بأنها ترغب في العودة إلى الميدان التربوي نظراً لحاجتها المادية فراتب التقاعد لا يكفي لتلبية احتياجات أسرتها، خصوصاً أنها مطلقة ولديها أبناء وعليها التزامات مالية تجاه بنوك على ذمة قرض لبناء سكن، مؤكدة أنها قادرة على مواصلة العطاء، وأنها في هذه السن والكثير من أمثالها لا يزالون يتمتعون بصحة جيدة وأنهم طاقات مهملة ينبغي الاستفادة منها.

| بواسطة:

إضافة تعليق

الخبر التالي

وفاة الفنان المصري هادي الجيار متأثراً بإصابته بفيروس كورونا